فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{إبراهام} بالألف: هشام والأخفش عن ابن ذكوان {إني أسكنت} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو {ومن عصاني} بالإمالة: علي {دعائي} بالياء في الحالين: ابن كثير ويعقوب. وقرأ أبو عمرو ويزيد وورش وحمزة وسهل والبرجمي والخزاز عن هبيرة وأحمد بن فرج عن أبي عمرو عن إسماعيل بالياء في الوصل. والباقون والهاشمي عن ابن فليح بغير ياء في الحالين. {نؤخرهم} بالنون: عباس والمفضل في رواية أبي زيد. الآخرون بالياء. {لتزول} بفتح الأول ورفع الآخر: عليّ. الباقون بكسر الأول ونصب الآخر. {القهار} مثل {البوار} {قطر} بكسر القاف وسكون الطاء والراء مكسورة منونة. {آن} على أنه اسم فاعل: يزيد عن يعقوب والوقف على قراءته {آني} بالياء.

.الوقوف:

{الأصنام} ط {من الناس} ج {مني} ج فصلًا بين النقيضين مع اتحاد الكلام {رحيم} o {المحرم} لا لأن قوله: {ليقيموا} يتعلق بقوله: {أسكنت} وكلمة {ربنا} تكرار {يشكرون} o {ما نعلن} ط {ولا في السماء} o لا {وإسحاق} ط {الدعاء} o {ومن ذريتي} ز قد قيل: والوصل أولى للعطف {وربنا} تكرار {دعاء} o {الحساب} ط {الظالمون} o ط {الأبصار} o لا لأن ما بعده حال {طرفهم} ج لاحتمال أن قوله: {وأفئدتهم} يكون من صفات أهل المحشر وأن يكون من صفة الكفار في الدنيا {هواء} o ط {قريب} لا لأن قوله: {نجب} جواب {أخرنا} {الرسل} ط {زوال} o لا للعطف على {أقسمتم} {الأمثال} o {وعند الله مكرهم} ط {الجبال} o {رسله} ط {انتقام} o ط فإن انتقامه لا يختص بوقت والتقدير اذكر يوم {القهار} o {في الأصفاد} o ج للآية ولأن الجملة بعد من صفات المجرمين {النار} o لا لتعلق لام كي {ما كسبت} ط {الحساب} o {الألباب} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)}.
اعلم أنه تعالى لما بين بالدلائل المتقدمة أنه لا معبود إلا الله سبحانه وأنه لا يجوز عبادة غيره تعالى ألبتة حكى عن إبراهيم عليه السلام مبالغته في إنكار عبادة الأوثان.
واعلم أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه طلب من الله أشياء: أحدها: قوله: {رَبِّ اجعل هذا البلد آمِنًا} والمراد: مكة آمنًا ذا أمن.
فإن قيل: أي فرق بين قوله: {اجعل هذا بلدًا آمنًا} [البقرة: 126] وبين قوله: {اجعل هذا البلد آمِنًا}.
قلنا: سأل في الأول أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها فلا يخافون، وفي الثاني: أن يزيل عنها الصفة التي كانت حاصلة لها، وهي الخوف، ويحصل لها ضد تلك الصفة وهو الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنًا، وقد تقدم تفسيره في سورة البقرة.
وثانيها: قوله: {واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرئ {واجنبنى} وفيه ثلاث لغات جنبه واجنبه وجنبه.
قال الفراء: أهل الحجاز يقول جنبني يجنبني بالتخفيف.
وأهل نجد يقولون جنبني شره وأجنبني شره، وأصله جعل الشيء عن غيره على جانب وناحية.
المسألة الثانية:
لقائل أن يقول: الإشكال على هذه الآية من وجوه: أحدها: أن إبراهيم عليه السلام دعا ربه أن يجعل مكة آمنًا، وما قبل الله دعاءه، لأن جماعة خربوا الكعبة وأغاروا على مكة.
وثانيها: أن الأنبياء عليهم السلام لا يعبدون الوثن ألبتة، وإذا كان كذلك فما الفائدة في قوله أجنبني عن عبادة الأصنام.
وثالثها: أنه طلب من الله تعالى أن لا يجعل أبناءه من عبدة الأصنام والله تعالى لم يقبل دعاءه، ولأن كفار قريش كانوا من أولاده، مع أنهم كانوا يعبدون الأصنام.
فإن قالوا: إنهم ما كانوا أبناء إبراهيم وإنما كانوا أبناء أبنائه، والدعاء مخصوص بالأبناء، فنقول: فإذا كان المراد من أولئك الأبناء أبناءه من صلبه، وهم ما كانوا إلا إسماعيل وإسحاق، وهما كانا من أكابر الأنبياء وقد علم أن الأنبياء لا يعبدون الصنم، فقد عاد السؤال في أنه ما الفائدة في ذلك الدعاء.
والجواب عن السؤال الأول من وجهين: الأول: أنه نقل أنه عليه السلام لما فرغ من بناء الكعبة ذكر هذا الدعاء، والمراد منه: جعل تلك البلدة آمنة من الخراب.
والثاني: أن المراد جعل أهلها آمنين، كقوله: {واسأل القرية} [يوسف: 82] أي أهل القرية، وهذا الوجه عليه أكثر المفسرين، وعلى هذا التقدير فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: ما اختصت به مكة من حصول مزيد من الأمن، وهو أن الخائف كان إذا التجأ إلى مكة أمن، وكان الناس مع شدة العداوة بينهم يتلاقون بمكة فلا يخاف بعضهم بعضًا، ومن ذلك أمن الوحش فإنهم يقربون من الناس إذا كانوا بمكة، ويكونون مستوحشين عن الناس خارج مكة، فهذا النوع من الأمن حاصل في مكة فوجب حمل الدعاء عليه.
والوجه الثاني: أن يكون المراد من قوله: {اجعل هذا البلد آمِنًا} أي بالأمر والحكم بجعله آمنًا وذلك الأمر والحكم حاصل لا محالة.
والجواب: عن السؤال الثاني قال الزجاج: معناه ثبتني على اجتناب عبادتها كما قال: {واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: 128] أي ثبتنا على الإسلام.
ولقائل أن يقول السؤال باق لأنه لما كان من المعلوم أنه تعالى يثبت الأنبياء عليهم السلام على الاجتناب من عبادة الأصنام فما الفائدة في هذا السؤال والصحيح عندي في الجواب وجهان: الأول: أنه عليه السلام وإن كان يعلم أنه تعالى يعصمه من عبادة الأصنام إلا أنه ذكر ذلك هضمًا للنفس وإظهارًا للحاجة والفاقة إلى فضل الله في كل المطالب.
والثاني: أن الصوفية يقولون: إن الشرك نوعان: شرك جلي وهو الذي يقول به المشركون، وشرك خفي وهو تعليق القلب بالوسايط وبالأسباب الظاهرة والتوحيد المحض هو أن ينقطع نظره عن الوسايط ولا يرى متصرفًا سوى الحق سبحانه وتعالى فيحتمل أن يكون قوله: {واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} المراد منه أن يعصمه عن هذا الشرك الخفي والله أعلم بمراده.
والجواب عن السؤال الثالث من وجوه: الأول: قال صاحب الكشاف: قوله: {وبني} أراد بنيه من صلبه والفائدة في هذا الدعاء عين الفائدة التي ذكرناها في قوله: {واجنبنى}.
والثاني: قال بعضهم أراد من أولاده وأولاد أولاده كل من كانوا موجودين حال الدعاء ولا شبهة أن دعوته مجابة فيهم.
الثالث: قال مجاهد: لم يعبد أحد من ولد إبراهيم عليه السلام صنمًا، والصنم هو التمثال المصور ما ليس بمصور فهو وثن.
وكفار قريش ما عبدوا التمثال وإنما كانوا يعبدون أحجارًا مخصوصة وأشجارًا مخصوصة، وهذا الجواب ليس بقوي، لأنه عليه السلام لا يجوز أن يريد بهذا الدعاء إلا عبادة غير الله تعالى والحجر كالصنم في ذلك.
الرابع: أن هذا الدعاء مختص بالمؤمنين من أولاده والدليل عليه أنه قال في آخر الآية: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنّي} وذلك يفيد أن من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه، ونظيره قوله تعالى لنوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح} [هود: 46].
والخامس: لعله وإن كان عمم في الدعاء إلا أن الله تعالى أجاب دعاءه في حق البعض دون البعض، وذلك لا يوجب تحقير الأنبياء عليهم السلام، ونظيره قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: {قَالَ إِنّى جاعلك لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} [البقرة: 124].
المسألة الثالثة:
احتج أصحابنا بقوله: {واجنبنى وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} على أن الكفر والإيمان من الله تعالى، وتقرير الدليل أن إبراهيم عليه السلام طلب من الله أن يجنبه ويجنب أولاده من الكفر فدل ذلك على أن التبعيد من الكفر والتقريب من الإيمان ليس إلا من الله تعالى، وقول المعتزلة إنه محمول على الألطاف فاسد، لأنه عدول عن الظاهر، ولأنا قد ذكرنا وجوهًا كثيرة في إفساد هذا التأويل.
ثم حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ الناس} واتفق كل الفرق على أن قوله: {أَضْلَلْنَ} مجاز لأنها جمادات، والجماد لا يفعل شيئًا ألبتة، إلا أنه لما حصل الإضلال عند عبادتها أضيف إليها كما تقول فتنتهم الدنيا وغرتهم، أي افتتنوا بها واغتروا بسببها.
ثم قال: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} يعني من تبعني في ديني واعتقادي فإنه مني، أي جار مجرى بعضي لفرط اختصاصه بي وقربه مني ومن عصاني في غير الدين فإنك غفور رحيم، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن إبراهيم عليه السلام ذكر هذا الكلام والغرض منه الشفاعة في حق أصحاب الكبائر من أمته، والدليل عليه أن قوله: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} صريح في طلب المغفرة والرحمة لأولئك العصاة فنقول: أولئك العصاة إما أن يكونوا من الكفار أو لا يكونوا كذلك، والأول باطل من وجهين: الأول: أنه عليه السلام بين في مقدمة هذه الآية أنه مبرأ عن الكفار وهو قوله: {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} وأيضًا قوله: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} يدل بمفهومه على أن من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه ولا يهتم باصلاح مهماته.
والثاني: أن الأمة مجمعة على أن الشفاعة في إسقاط عقاب الكفر غير جائزة، ولما بطل هذا ثبت أن قوله: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} شفاعة في العصاة الذين لا يكونون من الكفار.
وإذا ثبت هذا فنقول: تلك المعصية إما أن تكون من الصغائر أو من الكبائر بعد التوبة أو من الكبائر قبل التوبة، والأول والثاني باطلان لأن قوله: {وَمَنْ عَصَانِي} اللفظ فيه مطلق فتخصيصه بالصغيرة عدول عن الظاهر، وأيضًا فالصغائر والكبائر بعد التوبة واجبة الغفران عند الخصوم فلا يمكن حمل اللفظ عليه، فثبت أن هذه الآية شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التوبة، وإذا ثبت حصول هذه الشفاعة في حق إبراهيم عليه السلام ثبت حصولها في حق محمد صلى الله عليه وسلم لوجوه: الأول: أنه لا قائل بالفرق.
والثاني: وهو أن هذا المنصب أعلى المناصب فلو حصل لإبراهيم عليه السلام مع أنه غير حاصل لمحمد صلى الله عليه وسلم لكان ذلك نقصانًا في حق محمد عليه السلام.
والثالث: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم مأمور بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام لقوله تعالى: {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] وقوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا} فهذا وجه قريب في إثبات الشفاعة لمحمد صلى الله عليه وسلم وفي إسقاط العقاب عن أصحاب الكبائر، والله أعلم.
إذا عرفت هذا فلنذكر أقوال المفسرين: قال السدي معناه: ومن عصاني ثم تاب، وقيل: إن هذا الدعاء إنما كان قبل أن يعلم أن الله تعالى لا يغفر الشرك، وقيل من عصاني بإقامته على الكفر فإنك غفور رحيم، يعني أنك قادر على أن تغفر له وترحمه بأن تنقله عن الكفر إلى الإسلام، وقيل المراد من هذه المغفرة أن لا يعاجلهم بالعقاب بل يمهلهم حتى يتوبوا أو يكون المراد أن لا تعجل اخترامهم فتفوتهم التوبة.
واعلم أن هذه الوجوه ضعيفة.
أما الأول: وهو حمل هذه الشفاعة على المعصية بشرط التوبة فقد أبطلناه.
وأما الثاني: وهو قوله إن هذه الشفاعة إنما كانت قبل أن يعلم أن الله لا يغفر الشرك فنقول: هذا أيضًا بعيد، لأنا بينا أن مقدمة هذه الآية تدل على أنه لا يجوز أن يكون مراد إبراهيم عليه السلام من هذا الدعاء هو الشفاعة في إسقاط عقاب الكفر.
وأما الثالث: وهو قوله المراد من كونه: {غَفُورًا رَّحِيمًا} أن ينقله من الكفر إلى الإيمان فهو أيضًا بعيد، لأن المغفرة والرحمة مشعرة بإسقاط العقاب ولا إشعار فيهما بالنقل من صفة الكفر إلى صفة الإيمان، والله أعلم.
وأما الرابع: وهو أن تحمل المغفرة والرحمة على تعجيل العقاب أو ترك تعجيل الإمانة فنقول هذا باطل، لأن كفار زماننا هذا أكثر منهم ولم يعاجلهم الله تعالى بالعقاب ولا بالموت مع أن أهل الإسلام متفقون على أنهم ليسوا مغفورين ولا مرحومين فبطل تفسير المغفرة والرحمة على ترك تعجيل العقاب بهذا الوجه وظهر بما ذكرنا صحة ما قررناه من الدليل، والله أعلم.
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}.
اعلم أنه سبحانه وتعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع أنه طلب في دعائه أمورًا سبعة.
المطلوب الأول: طلب من الله نعمة الأمان وهو قوله: {رَبّ اجعل هذا البلد آمِنًا} [البقرة: 126] والابتداء بطلب نعمة الأمن في هذا الدعاء يدل على أنه أعظم أنواع النعم والخيرات وأنه لا يتم شيء من مصالح الدين والدنيا إلا به، وسئل بعض العلماء الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال: الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل ولو أنها ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناوله إلى أن تموت وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد.
والمطلوب الثاني: أن يرزقه الله التوحيد، ويصونه عن الشرك، وهو قوله: {واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} [إبراهيم: 35].
والمطلوب الثالث: قوله: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم} فقوله: {مِن ذُرّيَّتِي} أي بعض ذريتي وهو إسمعيل ومن ولد منه {بِوَادٍ} هو وادي مكة {غَيْرِ ذي زَرْعٍ} أي ليس فيه شيء من زرع، كقوله: {قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذي عِوَجٍ} [الزمر: 28] بمعنى لا يحصل فيه اعوجاج عند بيتك المحرم، وذكروا في تسميته المحرم وجوها: الأول: أن الله حرم التعرض له والتهاون به، وجعل ما حوله حرمًا لمكانه.
الثاني: أنه كان لم يزل ممتنعًا عزيزًا يهابه كل جبار كالشيء المحرم الذي حقه أن يجتنب.
الثالث: سمي محرمًا لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكه.
الرابع: أنه حرم على الطوفان أي امتنع منه كما سمي عتيقًا لأنه أعتق منه فلم يستعل عليه.
الخامس: أمر الصائرين إليه أن يحرموا على أنفسهم أشياء كانت تحل لهم من قبل.
السادس: حرم موضع البيت حين خلق السموات والأرض وحفه بسبعة من الملائكة، وهو مثل البيت المعمور الذي بناه آدم، فرفع إلى السماء السابعة.
السابع: حرم على عباده أن يقربوه بالدماء والأقذار وغيرها: روي أن هاجر كانت أمة لسارة فوهبتها لإبراهيم عليه السلام فولدت له إسماعيل عليه السلام، فقالت سارة: كنت أرجو أن يهب الله لي ولدًا من خليله فمنعنيه ورزقه خادمتي، وقالت لإبراهيم: أبعدهما مني فنقلهما إلى مكة وإسماعيل رضيع، ثم رجع فقالت هاجر: إلى من تكلنا؟ فقال إلى الله.
ثم دعا الله تعالى بقوله: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ} إلى آخر الآية ثم إنها عطشت وعطش الصبي فانتهت بالصبي إلى موضع زمزم فضرب بقدمه ففارت عينًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أم إسمعيل لولا أنها عجلت لكانت زمزم عينًا معينًا» ثم إن إبراهيم عليه السلام عاد بعد كبر إسماعيل واشتغل هو مع إسماعيل برفع قواعد البيت.
قال القاضي: أكثر الأمور المذكورة في هذه الحكاية بعيدة لأنه لا يجوز لإبراهيم عليه السلام أن ينقل ولده إلى حيث لا طعام ولا ماء مع أنه كان يمكنه أن ينقلهما إلى بلدة أخرى من بلاد الشام لأجل قول سارة إلا إذا قلنا: إن الله أعلمه أنه يحصل هناك ماء وطعام، وأقول: أما ظهور ماء زمزم فيحتمل أن يكون إرهاصًا لإسماعيل عليه السلام، لأن ذلك عندنا جائز خلافًا للمعتزلة وعند المعتزلة أنه معجزة لإبراهيم عليه السلام.
ثم قال: {رَّبَّنَا لِيُقيمُواْ الصَّلاةَ} واللام متعلقة بأسكنت أي أسكنت قومًا من ذريتي، وهم إسماعيل وأولاده بهذا الوادي الذي لا زرع فيه ليقيموا الصلاة.
ثم قال: {فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ} وفيه مباحث:
البحث الأول: قال الأصمعي هوى يهوي هويًا بالفتح إذا سقط من علو إلى سفل.
وقيل: {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} تريدهم، وقيل: تسرع إليهم.
وقيل: تنحط إليهم وتنحدر إليهم وتنزل، يقال: هوى الحجر من رأس الجبل يهوي إذا انحدر وانصب، وهوى الرجل إذا انحدر من رأس الجبل.
البحث الثاني: أن هذا الدعاء جامع للدين والدنيا.
أما الدين فلأنه يدخل فيه ميل الناس إلى الذهاب إلى تلك البلدة بسبب النسك والطاعة لله تعالى.
وأما الدنيا: فلأنه يدخل فيه ميل الناس إلى نقل المعاشات إليهم بسبب التجارات، فلأجل هذا الميل يتسع عيشهم، ويكثر طعامهم ولباسهم.
البحث الثالث: كلمة {مِنْ} في قوله: {فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ} تفيد التبعيض، والمعنى: فاجعل أفئدة بعض الناس مائلة إليهم.
قال مجاهد: لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم والترك والهند.
وقال سعيد بن جبير: لو قال أفئدة الناس، لحجت اليهود والنصارى المجوس، ولكنه قال: {أَفْئِدَةً مّنَ الناس} فهم المسلمون.
ثم قال: {وارزقهم مّنَ الثمرات} وفيه بحثان:
البحث الأول: أنه لم يقل: وارزقهم الثمرات، بل قال: {وارزقهم مّنَ الثمرات} وذلك يدل على أن المطلوب بالدعاء اتصال بعض الثمرات إليهم.
البحث الثاني: يحتمل أن يكون المراد بإيصال الثمرات إليهم إيصالها إليهم على سبيل التجارات وإنما يكون المراد: عمارة القرى بالقرب منها لتحصيل الثمار منها.
ثم قال: {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} وذلك يدل على أن المقصود للعاقل من منافع الدنيا أن يتفرغ لأداء العبادات وإقامة الطاعات، فإن إبراهيم عليه السلام بين أنه إنما طلب تيسير المنافع على أولاده لأجل أن يتفرغوا لإقامة الصلوات وأداء الواجبات. اهـ.